الفصل الثامن حكم الانتماء إلى المذاهب الإلحادية والأحزاب الجاهلية
1
- الانتماء إلى المذاهب الإلحادية كالشيوعية ، والعلمانية ، والرأسمالية ،
وغيرها من مذاهب الكفر ردّة عن دين الإسلام ، فإنْ كانَ المنتمي إلى تلك
المذاهب يدّعي الإسلام ، فهذا من النفاق الأكبر ، فإن المنافقين ينتمون
إلى الإسلام في الظاهر ، وهم مع الكفار في الباطن ، كما قال تعالى فيهم :
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى
شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ
.
وقال
تعالى : الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ
اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ
نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ .
فهؤلاء
المنافقون المخادعون ؛ لكل منهم وجهان : وجهٌ يلقى به المؤمنين ، ووجه
ينقلب به إلى إخوانه من الملحدين ، وله لسانان : أحدُهما يقبله بظاهره
المسلمون ، والآخر يُترجم عن سِرّه المكنون : وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ
آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا
إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ .
قد
أعرضوا عن الكتاب والسنة ؛ استهزاءً بأهلهما واستحقارًا ، وأبوا أن
ينقادوا لحكم الوحيين ، فرحًا بما عندهم من العلم الذي لا ينفع الاستكثار
منه إلا أشرًا واستكبارًا ، فتراهم أبدًا بالمتمسكين بصريح الوحي يستهزئون
: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ
يَعْمَهُونَ .
وقد أمرَ الله بالانتماء إلى المؤمنين : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .
وهذه
المذاهب الإلحادية مذاهبُ متناحرة ؛ لأنها مؤسسة على الباطل ، فالشيوعية
تنكر وجود الخالق - سبحانه وتعالى - وتحارب الأديان السماوية ، ومن يرضى
لعقله أن يعيش بلا عقيدة ، وينكر البدهيات العقلية اليقينية ؛ فيكون
مُلغيًا لعقله ، والعلمانية تنكر الأديان ، وتعتمدُ على المادية التي لا
موجِّه لها ، ولا غاية لها في هذه الحياة إلا الحياة البهيمية !
والرأسماليةُ همها جمع المال من أي وجه ولا تتقيد بحلال ولا حرام ، ولا
عطف ولا شفقة على الفقراء والمساكين ، وقوام اقتصادها على الرِّبا الذي هو
محاربة لله ولرسوله ؛ والذي هو دمارُ الدول والأفراد ، وامتصاصُ دماء
الشعوب الفقيرة ، وأي عاقل - فضلًا عمن فيه ذرة من إيمان - يرضى أن يعيش
على هذه المذاهب ، بلا عقل ولا دين ، ولا غاية صحيحة من حياته يهدف إليها
، ويُناضل من أجلها ، وإنما غزت هذه المذاهبُ بلاد المسلمين لمَّا غاب عن
أكثريتها الدين الصحيح ، وتربت على الضياع وعاشت على التبعية .
2
- والانتماء للأحزاب الجاهلية ، والقوميات العنصرية ، هو الآخر كُفرٌ
وردَّة عن دين الإسلام ؛ لأنَّ الإسلام يرفُضُ العصبيات ، والنعرات
الجاهلية ، يقول تعالى : يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ .
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من غضب لعصبية .
وقال
- صلى الله عليه وسلم - : إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية ،
وفخرها بالآباء ، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي ، الناس بنو آدم ، وآدم
خلق من تراب ، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى .
وهذه
الحزبيات تفرق المسلمين ، والله قد أمر بالاجتماع والتعاون على البر
والتقوى ، ونهى عن التفرق والاختلاف ، وقال تعالى : وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا .
إن
الله سبحانه يريد منا أن نكون مع حزب واحد ، هُم حزبُ الله المفلحون ؛
ولكن العالم الإسلامي أصبح بعدما غزته أوروبا سياسيًّا ، وثقافيًّا يخضع
لهذه العصبيات الدموية ، والجنسية والوطنية ، ويؤمن بها كقضية علمية
وحقيقية مقررة ، وواقع لا مفرَّ منه ، وأصبحت شعوبه تندفع اندفاعًا غريبًا
إلى إحياء هذه العصبيات التي أماتها الإسلام ، والتغني بها وإحياء شعائرها
، والافتخار بعهدها الذي تقدم على الإسلام ، وهو الذي يُلحُّ الإسلام على
تسميته بالجاهلية ، وقد مَنَّ الله على المسلمين بالخروج عنها ، وحثهم على
شكر هذه النعمة .
والطبيعي
من المؤمن أن لا يذكر جاهليةً - تقادمَ عهدُها أو قارب - إلا بمقت وكراهية
وامتعاض واقشعرار ، وهل يذكر السجين المعذب الذي يطلق سراحه أيام اعتقاله
وتعذيبه وامتهانه ؛ إلا وَعرتهُ قشعريرة ؟ وهل يذكُرُ البريء من عِلَّة
شديدة طويلة أشرَفَ منها على الموت أيامَ سُقمه ، إلا وانكسف بالُهُ
وانتقع لونه ؟ والواجبُ أن يُعلمَ أنَّ هذه الحزبيات عذاب بعثه الله على
من أعرض عن شرعه ، وتنكر لدينه ، كما قال تعالى : قُلْ هُوَ الْقَادِرُ
عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ
تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ
بَأْسَ بَعْضٍ .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم .
إنَّ
التعصب للحزبيات يسبب رفض الحق الذي مع الآخرين ، كحال اليهود الذين قال
الله فيهم : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا
نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ
الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ .
وكحال
أهل الجاهلية ، الذين رفضوا الحق الذي جاءهم به الرسول - صلى الله عليه
وسلم - تعصبًا لما عليه آباؤهم : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ
آبَاءَنَا .
ويريد أصحاب هذه الحزبيات أن يجعلوها بديلة عن الإسلام الذي مَنَّ الله به على البشرية